أصدر مريد البرغوثي كتابه "رأيت رام الله" في العام 1997، توقع الكثير من قرائه أن يتبعه بجزء ثانٍ، يحكي حكاية مع ابنه تميم إلى فلسطين. هذا الكتاب يروي رحلة الشاعرين، الأب والإبن، بمصاعبها ومباهجها ومفارقاتها، وفي الوقت نفسه يروي عشر سنوات (1998-2008) من تاريخ اللحظات الشخصية الحميمة التي يهملها عادة المؤرخون السياسيون. مريد البرغوثي هنا يجعل من الحميم تاريخاً، ومن العابر راسخاً، ومن المألوف مدهشاً
للتحميل :
قصص وذكريات وتداعيات، وأحداث متنوعة، في هذا الكتاب للمؤلف والشاعر الفلسطيني، الذي يعبّر بكل صدق عن كل ما يجول في باله من خواطر وأفكار دون أي استعراض مقصود، وعن كل ما يصيبه من مشاعر دون أن يبغي تجيير أحاسيسه ودون هاجس استجداء التعاطف والتضامن مع الواقع الفلسطيني وحاله. يحكي حكاياته، ويتفاعل مع محيطه وأوضاعه كإي إنسان محاصر ومكبل بظروف حياة صعبة ومعقدة. يرى ويحس ويحلل وينتقد الأوضاع العبثية ويدين الفساد بجميع أنواعه، دون هدف معلن، ودون خلفية مسبقة. كشاهد عيان حرّ وأمين في شهادته، يخطّ الكاتب كل ما يحدث معه وما يعتريه تجاه واقعه الفلسطيني، وتجاه المحيط العربي وإنسانه المقموع: “أفضل الصناعات الوطنية وأكثرها اتقانا ومتانة وتغليفا وسرعة في التوصيل إلى المنازل، هي صناعة الخوف”، والذي يعيش انفصاما بين ذاته وواقعه، بين منطقه الذهني ولا عقلانية واقعه: “فكرت أن العربي المحظوظ هو الذي يصحو من نومه ذات صباح فيجد نفسه مجنونا وينتهي الأمر”. يروي قصصا معبّرة عن حالة الترحيل والترحال والهجرات الداخلية والتشتت في بلدان عديدة: “كم سفر وكم عودة أيها الوقت”، و”مرة أخرى أفشل في أن أكون حيث يجب أن أكون. أفشل أن أحب أو أحن أو أساند أو أساعد أو أرعى أو أكون ذا نفع لمن أحب”. يظلّ في حركة دائمة مقلقة داخل التشابك الواسع بين الوضع العام والوضع الخاص. من رام الله إلى عمان أوضاع سياسية واجتماعية تنعكس تأثيراتها يوميا على حياة الفرد الفلسطيني، كما على الكاتب: “بين رام الله وعمان شهورا من القصائد أو مشاريع القصائد”. يروي مشاهد ويوميات مما يعانيه المواطن الفلسطيني عبر المعبر وفي وجه الجدار. يوجز الأوضاع في الداخل الفلسطيني بجمل موجزة وواضحة: “الفساد يتفاقم، عنف الاحتلال يتزايد. فتح تتداعى، حماس تصعد”، في ظل “شكل المقاومة الوحيد الذي تسمح به إسرائيل وهو أن يقدّم الفلسطينيون باقات الزهور لجنود الاحتلال!. لم يترك فساد العالم سوى عمل وحيد للإنسان الحساس، إن كان ذلك ممكنا، وهو الحفاظ على ذاته “النقية”: “بقي أن لا أفسد عالمي بسبب فساد هذا العالم”. كيف السبيل إلى ذلك، في حين حتى الكتابة تصبح صعبة المنال: ” يقولون أن الوجع الدائم يشكّل باعثاً على الكتابة، ولا أصدق هذا الهراء”.
صدق في المشاعر ومستوى راق في التعبير عن نضج ذهني ووجداني في هذه القصص التي رغم خصوصية إطارها الفلسطيني، إلا أنها تعبر في الجوهرعن المواطنية العربية بالإجمال، وعن تشتت الذات العربية وانكسارها بشكل عام.
للتحميل :
..